لحظة خفق قلبي، “خفت عليك”، خفت أن تلحق بركب الذين رحلوا، وتركوني وحيدة، لأنني اقترفت ذنبا وأحببتهم.
“طارق”، ذو العينين الواسعتين، جلس بجواري في اليوم الأول من ذلك العام الدراسي، كان قلبي يخفق كلما استدار نحوي ليلقي تحية الصباح، أجمل صباحاتي كانت برفقته، في مرح دائم يمازحني ويقلق حين أتغيب عن المحاضرات. حضرت باكرا في ذلك اليوم، أحمل معي علبة حلوى صنعتها من أجل “طارق”، كان الوجوم مخيما على الوجوه التي تلج القاعة، قال المحاضر: لا درس اليوم حدادا على “طارق” ناصر، الطالب الذي فقدناه بالأمس في حادث سير.
بصعوبة استطعت لملمة ما تحطم من روحي بعد موت “طارق”، تراءت لي عيناه كلما دخلت قاعة الدرس، كلما تحدث المحاضر وشرع في الشرح. بقي معقده شاغرا حتى نهاية الفصل، تخيلت أن يعود “طارق” وأن يكون “طارق” ناصر الذي مات في حادث السير هو شخص آخر. لكنه كان هو ولم يعد “طارق” يوما.
بعد عامين التقيت بـ”علي” هادئ، وديع، له ابتسامة عذبة، كان قلبي يبتسم، العالم كله يبتسم كلما ابتسم “علي”، لم يكن قلبي يخفق، كنت فقط أشعر بسعادة كلما صادفته في المكتبة، يدفن رأسه بين الكتب، منكبا على بحث تخرجه. كان ينهض من مكانه حين أقترب منه، ويدعوني لمشاركته الجلوس، اعتذرت في مرات كثيرة خوفا من تأخيره عن العمل على بحثه، قال مرة: ابقي قليلا، تمتعني رفقتك. جلسنا وحدثني عن بحثه، وعن عائلته وعن نفسه. كانت المرة الأخيرة التي رأيته فيها، اختفى “علي” وتوقف العالم عن “الابتسام”، ترك الجامعة، ترك بحثه، تركني، أنهى حياته، اختار الموت بعيدا عني.
على قلبي اتخذت عهدا بألا أجعله يخفق، يفرح، يضحك.
مات خالي لأنه كان خالي المفضل، ومات ابن قريبتي لأنني قلت له مرة: عندما تكبر سأتزوجك، جميع الذين أحبهم يرحلون، ويفقد قلبي لونه، أرتعد حين يخفق، حين أرتعش، حين يشغل بالي أحدهم، أخاف عليهم مني، أخاف عليك مني. أعلم أنك تزوجت، وأن تلك اللمعة التي كانت في عينيك لم تكن بسببي، يخفق قلبي أحيانا حينما تمر من أمامي، حينما تسألني عن حالي، ولازلت أحاول حذفك من عقلي، حتى لا أفقدك، حتى لا أبقى “وحيدة” من جديد، حتى لا ترحل كما رحل الجميع.